الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومن الفحشاء والمنكر استماع العبد مزامير الشيطان. والمغني هو مؤذنه الذي يدعو إلى طاعته فإن الغناء رقية الزنى. وكذلك من اتباع خطوات الشيطان، القول على الله بلا علم. كحال أهل البدع والفجور وكثير ممن يستحل مؤاخاة النساء والمرد وإحضارهم في سماع الغناء ودعوى محبة صورهم لله وغير ذلك، مما فتن به كثير من الناس فصاروا ضالين مضلين. ثم إنه سبحانه نهى المظلوم بالقذف، أن يمنع ما ينبغي فعله من الإحسان إلى القرابة والمساكين وأهل التوبة. وأمره بالعفو. فإنه كما يحب أن يغفر له فليغفر، ولا ريب أن صلة الأرحام واجبة، وإيتاء المساكين واجب، ومعونة المهاجرين واجبة، فلا يجوز ترك ما يجب من الإحسان إلى للإنسان بمجرد ظلمه: كما لا يمنع ميراثه وحقه من الصدقات والفيء، بمجرد ذنب من الذنوب وقد يمنع من ذلك لبعض الذنوب.وفي الآية دليل على وجوب الصلة والنفقة وغيرها لذوي الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب.فإنه قد ثبت في الصحيح عن عائشة في قصة الإفك، أن أبا بكر الصديق حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة، وكان أحد الخائضين في الإفك في شأن عائشة. وكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر. وقد جعله الله من ذوي القربى الذين نهى عن ترك إيتائهم. والنهي يقتضي التحريم. فإذا لم يجز الحلف على ترك الفعل، كان الفعل واجبًا، لأن الحلف على ترك الجائز جائز. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.الرابع: قال الزمخشري: لو فليت القرآن كله وفتشت عما أعد به العصاة، لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة، رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه- ما أنزل فيه، على طرق مختلفة وأساليب مفتنّة. كل واحد منها كان في بابه ولم ينزل إلا هذه الثلاث يعني قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ} (23)، إلى قوله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (25) لكفى بها. حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعًا. وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة. وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا. وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك، أن الله هو الحق المبين. فأوجز في ذلك وأشبع وفصّل وأجمل وأكد وكرر، بما لم يقع في وعيد المشركين، عَبْدة الأوثان، إلا ما هو دونه في الفظاعة. وما ذلك إلا لأمر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة. وكان يسأل عن تفسير القرآن. حتى سأل عن هذه الآيات فقال: من أذنب ذنبًا ثم تاب قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة، وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]، وبرأ موسى من قول اليهود فيه، بالحجر الذي ذهب بثوبه. وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى في حجرها: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} (30)، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات. فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلا لإظهار علوّ منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على إنافة محل سيد ولد أدم وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين.ومن أراد أن يتحقق عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم وتقدم قدمه وإحرازه لقصب السبق دون كل سابق فَلْيَتَلَقَّ ذلك من آيات الإفك. وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه.فإن قلت: إن كانت عائشة هي المرادة، فكيف قيل: المحصنات؟ قلت: فيه وجهان:أحدهما: أن يراد بالمحصنات أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يخصصن بأن من قذفهن، فهذا الوعيد لا حق به. وإذا أردن عائشة كبراهن منزلة وقربة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت المرادة أولًا.والثاني: أنها أم المؤمنين، فَجُمِعَتْ. إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالإحصان والغفلة والإيمان انتهى.قال الناصر: والأظهر أن المراد عموم المحصنات والمقصود بذكرهن على العموم، وعيد من وقع في عائشة، على أبلغ الوجوه، لأنه إذا كان هذا وعيد قاذف آحاد المؤمنات، فما الظن بوعيد من قذف سيدتهن وزوج سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟ على أن تعميم الوعيد أبلغ وأفظع من تخصيصه. هذا ومعنى قول زليخا: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25]، فعممت أرادت يوسف، تهويلًا عليه وإرجافًا. والمعصوم من عصمه الله تعالى. انتهى.الخامس: قال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة ذهب كثير من أهل السنة إلى أن عائشة رضي الله عنها أفضل نسائه عليه الصلاة والسلام واحتجوا بما في الصحيحين عن أبي موسى وعن أنس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». والثريد هو أفضل الأطعمة، لأنه خبز ولحم. كما قال الشاعر:
وذلك أن البُر أفضل الأقوات. واللحم أفضل الإدام، كما في الحديث الذي رواه ابن قتيبة وغيره. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم» فإذا كان اللحم سيد الإدام، والبر سيد الأقوات، ومجموعهما الثريد، كان الثريد أفضل الطعام.وقد صح من غير وجه عن الصادق المصدوق أنه قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» وفي الصحيح عن عَمْرو بن العاص قال: قلت: يا رسول الله! أي: النساء أحب إليك؟ قال: «عائشة» قلت: ومن الرجال؟ قال: «أبوها» قلت: ثم من؟ قال: «عمر، وسمى رجالًا». وهؤلاء يقولون: قوله صلى الله عليه وسلم لخديجة: «ما أبدلني الله خيرًا منها»: إن صح معناه ما أبدلني خيرًا لي منها: فإن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعًا لم يقم غيرها فيه مقامها. فكانت خيراَ له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة، وعائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين. فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول النبوة. فكانت أفضل لهذه الزيادة فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم والسن ما لم يبلغه غيرها فخديجة كان خيرها مقصورًا على نفس النبيّ صلى الله عليه وسلم لم تبلغ عنه شيئًا، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة، ولأن الدين لم يكن قد كمل حتى تعلمه، ويحصل لها من كمالاته ما حصل لمن علم وآمن به بعد كماله، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد، كان أبلغ فيه ممن تفرق همه في أعمال متنوعة. فخديجة رضي الله تعالى عنها خير له من هذا الوجه. لكن أنواع البر لم تحصر في ذلك. ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيمانًا، وأكثر جهادًا بنفسه وماله. كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم، هم أفضل من كان يخدم النبي ّ صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم. كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما. وفي الجملة، الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه. لكن المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وإن نساؤه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين اللواتي مات عنهن، كانت عائشة أحبهن إليه وأعظمهن حرمة عند المسلمين. وقد ثبت في الصحيح أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، لما يعلمون من محبته إياها. حتى أن نساؤه غرن من ذلك. وأرسلن إليه فاطمة رضي الله عنها تقول له: نساؤك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة: فقال لفاطمة: «أي: بنية أما تحبين ما أحب»؟ قالت: بلى. قال: «فأحبي هذه»، الحديث في الصحيحين وفي الصحيحين أيضًا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة! هذا جبريل يقرأ عليك السلام» قالت: وعليه السلام ورحمة الله. ترى ما لا نرى. ووهبت سودة بنت زَمْعَة يومها لعائشة رضي الله عنهما، بإذنه صلى الله عليه وسلم. وكان في مرضه الذي مات فيه يقول: «أين أنا اليوم»؟ استبطاء ليوم عائشة. ثم استأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها، فمرض فيه. وفي بيتها توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها. وكانت رضي الله عنها مباركة على أمته. حتى قال أسيد بن حضير، لما أنزل الله آية التيمم بسببها: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين بركة. وقد كانت نزلت آية براءتها قبل ذلك، لما رماها أهل الإفك. فبرأها الله من فوق سبع سموات، وجعلها من الصيّنات. وبالله التوفيق. انتهى.وأغرب الإمام ابن حزم، فذهب إلى أن أفضل الناس بعد الأنبياء، نساؤه صلى الله عليه وسلم. معلوم أن عائشة فضلاهن، وقد أسهب في ذلك في كتابه الملل فارجع إليه.السادس: قال القاشاني رحمه الله تعالى: إنما عظم تعالى أمر الإفك وغلظ في الوعيد عليه، بما لم يغلظ في غيره من المعاصي، وبالغ في العقاب عليه بما لم يبالغ به في باب الزنى وقتل النفس المحرمة، لأن عظم الرذيلة وكبر المعصية، إنما يكون على حسب القوة التي هي مصدرها. وتتفاوت حال الرذائل في حجب صاحبها عن الحضرة الإلهية والأنوار القدسية، وتوريطه في المهالك الهيولانية، والمهاوي الظلمانية، على حسب تفاوت مبادئها، فكلما كانت القوة التي هي مصدرها ومبدؤها أشرف. كانت الرذيلة الصادرة منها أردأ. وبالعكس لأن الرذيلة ما قابل الفضيلة. فلما كانت الفضيلة أشرف، كان ما يقابلها من الرذيلة أخسّ، والإفك رذيلة القوة الغضبية. فبحسب شرف الأولى على الباقيتين، تزداد رداءة رذيلتها.وذلك أن الإنسان إنما يكون بالأولى إنسانًا، وترقيه إلى العالم العلويّ، وتوجهه إلى الجانب الإلهي وتحصيله للمعارف والكمالات، واكتسابه للخيرات والسعادت- إنما يكون بها. فإذا فسدت بغلبة الشيطنة عليها، واحتجبت عن النور باستيلاء الظلمة، حصلت الشقاوة العظمى، وحقت العقوبة بالنار. وهو الرين والحجاب الكلي.ألا ترى أن الشيطنة المغوية للآدمي أبعد عن الحضرة الآلهية، من السبعية والبهيمية؟ وأبعد بما لا يقدر قدره، فالإنسان برسوخ رذيلته النطفية يصير شيطانًا، وبرسوخ الرذيلتين الأخريين، يصير حيوانًا كالبهيمة أو السبع، وكل حيوان أرجى صلاحًا، وأقرب فلاحًا من الشيطان. ولهذا قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221- 222]، ونهى هاهنا عن اتباع خطوات الشيطان. فإن ارتكاب مثل هذه الفواحش لا يكون إلا بمتابعته ومطاوعته، وصاحبه يكون من جنوده وأتباعه، فيكون أخس منه وأذل، محرومًا من فضل الله الذي هو نور هدايته، محجوبًا من رحمته التي هي إفاضة كمال وسعادة، ملعونًا في الدنيا والآخرة، ممقوتًا من الله والملائكة. تشهد عليه جوارحه بتبدّل صورها وتشوّه منظرها. خبيث الذات والنفس. متورطًا في الرجس. فإن مثل هذه الخبائث لا تصدر إلا من الخبيثين. كما قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} وأما الطيبون المنزهون عن الرذائل، فإنما تصدر عنهم الطيبات والفضائل. انتهى.السابع: في سر قَرْن الزنى بالشرك في قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (3)، وتحقيق القول في الآية. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان: نجاسة الزنى واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات. من جهة أنها تفسد القلب وتضعف توحيده جدًّا. ولهذا أحظى الناس بهذه النجاسة، أكثرهم شركًا. فكلما كان الشرك في العبد أغلب. كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصًا، كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فإن عشق الصور المحرمة نوع تعبّد لها. بل هو من أعلى أنواع التعبّد. ولاسيما إذ استولى على القلب وتمكن منه، صار تتيّمًا. والتتيّم التعبد. فيصير العاشق عابدًا لمعشوقه. وكثيرًا ما يغلب حبه وذكره والشوق إليه والسعي في مرضاته وإيثار محابّه، على حب الله وذكره والسعي في مرضاته، بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكلية ويصير متعلقًا بمعشوقه من الصور. كما هو مشاهد فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله عزَّ وجلَّ. يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه. ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله. وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله. ويتجنب سخطه ما لا يتجنب من سخط الله تعالى. فيصير آثر عنده من ربه حبًّا وخضوعًا وذلًّا وسمعًا وطاعةً، ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإِنما حكى الله سبحانه العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد بُلي بعشق الصور وكلما قوي توحيده صرف ذلك عنه. والزنى واللواطة كمال لذته، إما يكون من العشق. ولا يخلو صاحبهما منه. وإنما لتنقله من محل إلى محل، لا يبقى عشقه مقصورًا على محل واحد. بل ينقسم على سهام كثيرة لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده. فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين. ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله، فإنهما من أعظم الخبائث فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب. وكلما ازداد خبثًا ازداد من الله بعدًا. ولهذا قال المسيح، فيما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد لا يكون البطالون من الحكماء. ولا يلج الزناة ملكوت السماء. ولما كانت هذه حال الزنى كان قريبًا للشرك في كتاب الله تعالى. قال الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (3). والصواب القول بأن هذه الآية محكمة. يعمل بها لم ينسخها شيء. وهي مشتملة على خبر وتحريم. ولم يأت من ادعى نسخها بحجة البتة. والذي أشكل منها على كثير من الناس، واضحٌ بحمد الله تعالى. فإنهم أشكل عليهم قوله: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (3)، هل هو خبر أو نهي أو إباحة؟ فإن كان خبرًا فقد رأينا كثيرًا من الزناة ينكح عفيفة. وإن كان نهيًا فيكون قد نهى الزاني أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة، فيكون نهيًا له عن نكاح المؤمنات العفائف. وإباحة له نكاح المشركات والزواني، والله سبحانه لم يرد ذلك قطعًا. فلما أشكل عليهم ذلك وطلبوا للآية وجهًا يصح حملها عليه. فقال بعضهم: المراد من النكاح الوطء والزنى. فكأنه قال: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة. وهذا فاسد. فإنه لا فائدة فيه. ويصان كلام الله تعالى عن حمله على مثل ذلك. فإنه من المعلوم أن الزاني لا يزني إلا بزانية. فأي فائدة في الإخبار بذلك. ولما رأى الجمهور فساد هذا التأويل أعرضوا عنه، ثم قالت طائفة: هذا عام اللفظ خاص المعنى. والمراد به رجل واحد وامرأة واحدة. وهي عناق وصاحبها، فإنه أسلم واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحها فنزلت هذه الآية.
|